• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

خدعة "تاريخية" القرآن الكريم

د. مولاي المصطفى البرجاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/8/2009 ميلادي - 27/8/1430 هجري

الزيارات: 38494

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خدعة "تاريخية" القرآن الكريم
التصالح مع الزمان أم علمنة القرآن؟!



لقد شهد عالمنا العربي الإسلامي – مع مطلع القرن الماضي– موجة الاستقلال السياسي عن الاستخراب الإمبريالي؛ بعد مقاومات قادها الأشبال الأشاوس من المقاومين ..كان "الإسلاميون" حملة رايتها، وطليعة فرسانها، ووقودها الذي زودها وأمد في حياتها واستمرارها -بعون من الله سبحانه- كلما خبت وهدأت واستكانت.. حتى رجع العدو خاسئًا إلى جحره.. لكن ماذا بعد هذا؟

هنا بدأ ينبت الاستعمار (الاستخراب) بلون آخر أكثر لمعانًا وأشد نفاقًا على الأمة يحمل لواءه أبناءُ الأمة الإسلامية -بطبيعة الحال- بدعم أسيادهم البيض.. فهذا الأخير خرج بخلاصة مفادها: العدو الأول هو كل من يحمل في جبته مثقال ذرة من إيمان!

من هنا بدأت تنزل علينا سمومهم تترى بدءًا من نشر ثقافة التضليل والدعاية الكاذبة والإشاعة المضللة حاولوا بها تشويه صورة المجاهدين الصادقين –إن شاء الله ولا نزكي على الله أحدًا– عن طريق تدوين الأحداث التاريخية بمداد الوهم، وإسناد البطولات إلى خونة عملاء، رباهم العدو على عينه وألقى إليهم مقاليد الأمور (كمثل مركز ابن خلدون الذي أقامته المخابرات "الصهيوأمريكية" لتشويه عقيدة المسلمين، ومن أبرز مفكريهم –ممن يسمون أنفسهم قرآنيين– أحمد صبحي منصور؛ لكن ولله الحمد والمنة، سرعان ما وقف علماءُ الأزهر لهم بالمرصاد، وبينوا خطورة هذا المركز وتشكيكاته وتكتيكاته الخداعية الملبسة والمدلسة!).

في الوقت الذي يجري فيه صريف الأقلام الصادقة الغيور لصد عاديات التغريب المذموم وموريات التقريب المشئوم، وفي الوقت الذي تعلو فيه أصوات الشرفاء من أهل العلم والولاية منبهين على هذا النزع العنيف، محذرين من هذه الفراهة الوقحة، نجد أن فسطاطًا من بني جلدتنا ما إن وطئت حوافر هذه الشعارات الجوفاء جغرافية هلالنا حتى تزينت بأفواههم، وركبت صهوة علجها أحلامهم، فخدمتها الأقلام، ونبست بنصرتها الأفهام، بل وأقسموا جهد أيمانهم ولـيًّا بألـسنتهم أن يعملوا على تحقيق هذا المشروع: مشـروع تذويب عـقيدة المسلمين[1].

"وهكذا جاء الاستقلال، استقلالا عن الأمة، وعزلا لها عن ممارسة حقها في تقرير مصيرها، وبناء ذاتها، واستغلال مواردها، وتربية بنيها. وبقيت التبعية للأعداء، ولم يختلف إلا ظاهر الصور فقط" فما الذي ولدته الأحداث بعد هذا المخاض العسير؟[2].

بل تتعرض الأمة اليوم إلى حملات ثقافية شرسة، اجتمع على التخطيط لها دهاقنة الغرب الصليبي الكافر، وخصوم الإسلام (العلمانيون-الحداثيون)، كما نشهده ونلاحظه من كثرة الكتابات والدراسات التي تناولت موضوع (القرآن قراءة معاصرة) متذرعةً بلباس العلمية، وهي تهدف إلى توجيه سهام النقد والتشويه لعقائدنا ورؤانا الدينية المستندة إلى الوحي الإلهي قرآناً وسنةً.

ومن ثم كان أعداء الإسلام -داخليًّا وخارجيًّا- على عجلة من أمرهم لاقتلاع تلك الثمرة الزاهية وتشويهها بأنواع من الفيروسات الفكرية، ولعل أخطرها تلك الفلسفات الوضعية التي منشؤها الغرب الملحد؛ التي وظفوها للتطاول السافر على أقدس مقدسات المسلمين؛ ألا وهو القرآن الكريم؛ الذي تولى الله سبحانه حفظه، لذا فمهما ازدانت قريحة العلمانية، ومهما تغلغلت فكرًا وعلما دنيويًّا، فسيعودون بتأويلاتهم خاسئين، ألا وهو اللطيف الخبير!

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في درء التعارض: (هؤلاء عمدوا إلى ألفاظ مجملة مشتبهة تحتمل في لغات الأمم معاني متعددة, وصاروا يُدخلون فيها من المعاني ما ليس هو المفهوم منها في لغات الأمم, ثم ركبوها وألفوها تأليفًا طويلا بَنَوْا بعضَه على بعض, وعظموا قولَهم وهوَّلوه في نفوس من لم يفهمه... فإذا دخل معهم الطالبُ وخاطبوه بما تنفِر عنه فطرته, فأخذ يعترض عليهم, قالوا له: أنت لا تفهم هذا..).

ولسان حالهم ولسان فكرهم يقول :"هل يليق بالأمة العربية و الإسلامية أن تحصر –في عصر الذرة والصاروخ والإنترنت– مبادئها على أسس قرآنية جاءت لأهل الناقة والبعير والفيافي {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5].

ودفاعًا عن القرآن الكريم وكشفًا لستار أهل الباطل، ودفعًا لضرر هؤلاء الطاعنين، وخشية من اغترار الجهال بتشكيكات العابثين التاريخيين المستهزئين بكتاب الله؛ رأيت من الواجب عَليَّ أن أردَّ على الطرح المشبه والمشكك، عسى -إن شاء الله- أن تلجم أفواههم النتنة، وتهدي أبصارًا عميت عن الحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه!

ما بالُ  دينك  ترضى  أن  تدنسَه        وثوبُك الدهرَ مغسولٌ من الدنسِ
ترجو النجاةَ ولم تسلك مسالِكَها        إن السفينة لا تجري  على  اليبَسِ

ولعل الاتجاه العصراني أوضح مثال لذلك، لأن جل اهتماماته هي تطويع الإسلام للمبادئ الغربية، ووصم كل ما لا يتماشى معها بأنه فهم خاطئ للإسلام! كما حمل التاريخيون في هذا العصر لواءَ التشكيك في تجديدية القرآن، وأجلبوا عليه بخيلِ شبههم التاريخية وبرَجِل المذاهب الإلحادية الغربية والمدارس الفكرية الحداثية لزحزحة المسلمين عن اعتقاد صلاحية كتاب الله لكل زمان ومكان!، غير أنهم لم يظفروا بطائل، وكان الأئمة لهم بالمرصاد.

السياق التاريخي لنشأة وتغلغل فكرة العلمانية ومن ثم "تاريخية" القرآن الكريم للعالم الإسلامي:
لا شك أن العالم الإسلامي يعيش في بحر لجي من الفتن يغشاه موجٌ من ظلمات الشهوات، وموجٌ ثانٍ من فتن شبهات الأفكار والمصطلحات الغريبة، وموج ثالث من المذاهب الغريبة عن ثقافتنا استغلالا لتأخرنا العلمي! لدرجة أصبح فيها الضعف حكمة!.. لكن كيف انبثقت الأفكارُ التي جرحت المقدسات في أوربا الغربية ومن ثم أريدت محاكاتها في عالمنا الإسلامي؟

انتشرت هذه المذاهب المعاصرة الهدامة المتفلتة من ضوابط الشرع، بعد عزل الكنيسة عن جميع دواليب الحياة؛ لما أغرقت أوربا في مستنقع آسن من التحريفات لا يقبلها العقل ولا النقل؛ مما دفع بنخبتنا المثقفة الراضعة بلبان الغرب أن يقايسوا سطحيًّا، وأن ينقلوا وبتفكير "فلسفي" ساذج لا يرقى إلى مستوى النضج الفكري تاريخَ أوربا الغربية النصرانية إلى عالمنا الإسلامي دون التمكن من دراسة ديننا وشريعتنا وعقيدتنا دراسة وافية!

إن الطلاب الذين يذهبون من أبناء المسلمين إلى الدول غير الإسلامية، دون أن تكون لديهم الحصانة الكافية من عقيدتهم، إن هؤلاء من أخطر الوسائل؛ لأن كثيراً منهم تعلقوا بقيم الغرب أو الشرق ومُثُله وعاداته، وقد عاد هؤلاء إلى بلدانهم وهم يحملون ألقاباً علمية وضعتهم في مناصب التوجيه، ونظر الناس إليهم على أنهم قدوة؛ لأنهم وطنيون[3].

ثم إن نظرة سريعة إلى واقع النخبة المثقفة العلمانية (أساتذة جامعيين، أكاديميين، باحثين..) في العالم الإسلامي، كفيلة بأن تجعل الدم يجف في العروق، إذ إن أغلب مؤلفاتهم في مجملها، لا تمت إلي الإسلام بصلة، وإن هي إلا أطروحات غربية، "دكتاتورية التفكير"، معادية للإسلام، مع أن بعضها يتمسح بالإسلام!

وحتى نقرب الصورة الذهنية والواقعية للقارئ الكريم فلا بأس من استعراض أهم المحطات التاريخية التي ميزت الفكر الأوربي في علاقته مع الديانة النصرانية المحرفة وسيطرة الإكليروس؛ نجملها فيما يلي:
أ-المرحلة الأولى: سيطرة (الكثلكة)، وهي تعني سيطرة البابا بسلطة إلهية على كلّ شيء، فهو يزعـم أنـه يتكلم باسم الله تعالى، كما تعنـي امتلاك الكنيسة وحدها حق تفسير الكتاب المقدّس، فلا فرق بين نص الكتاب المقدس، وفهوم الكنيسة.
ب-المرحلة الثانية: مرحلة اللوثرية الكالفنية، عندما ظهر مارتن لوثر (1453م - 1546م)، وبعده كالفن (1509م - 1564م) فعارضا تعاليم الكثلكة، وتمردا على الكنيسة الكاثوليكية، وحاربا سلطة البابا، وطالبا بالحرية في بحث الكتاب المقدس، وأنّ البابا لا يملك وحده حق تفسيره، ولكنهما بقيـا على أن الكتاب المقدس هو وحده مصدر المعرفة.
ج-المرحلة الثالثة: مرحلة عصر التنوير، أو العصر الإنساني، بدأ في النصف الثاني من القرن الثامن عشـر، وفيه انطلقت فكرتان:
أولا: اعتداد العقل الغربي بنفسه، وأنـّه قادر أن يصوغ كلّ شيء في حياة الإنسان.
ثانيا: الجرأة في إخضاع كلّ شيء لسلطان العقل بعيدًا عن تأثير الدين.
د-المرحلة الرابعة: مرحلة (عصر الوضعية)، بدأت مع فجر القرن التاسع عشر، وفي هذا العصر نزوع كبير إلى الواقع، واعتبر فلاسفته أن الحس (الطبيعة) هـو الذي له السيادة المطلقة، فالطبيعة هي المصدر الفريد للمعرفة، هو هذا العالم المادي الذي حولنا. ومن هـنا بدأ ينتشـر الإلحاد.

من هنا نستخلص أن الغرب بدأ أولا بتأليه الكنيسة وشركها، كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: 31]، ثم كفروا بها، فألّهوا العقل، كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] ثم كفروا به، فاتخذوا الطبيعة والمادة إلها، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ..} الآية [يونس: 7][4].
مناهج تفسير القرآن الكريم[5]:
بين خير النزل وشجرة الزقوم!

أولاً: المناهج الإسلامية الأصيلة في التفسير:
تتنوع مناهج تفسير القرآن بين تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالحديث، ثم التفسير بالرأي لمن كان متمكنًا من علوم اللغة وعلوم القرآن وأصول الفقه ومناهج التفسير السابقين:
أ- التفسير بالمأثور: وأهم رواده (ابن جرير الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن– الدر المأثور في التفسير بالمأثور للسيوطي– تفسير ابن كثير– تفسير البغوي...).
فتفسير ابن كثير رحمه الله مثلا من أجل التفاسير، إن لم يكن أعظمها؛ فقد جمع فيه بين التفسير والتأويل والرواية والدراية، مع العناية بذكر الأسانيد وبيان صحيحها من ضعيفها وموضوعها في الجملة، ونقد الرجال، والجرح والتعديل، واستيفاء الآيات بالموضع الأول، وتفسير القرآن بالقرآن مع حسن البيان وعدم التعقيد والتشعيب في المسائل والاستطراد الكثير..
ب- التفسير بالرأي: وهو لمن كان متمكنًا من علوم اللغة وعلوم القرآن وأصول الفقه ومناهج المفسرين السابقين. وأهم التفاسير في هذا الباب: (فتح القدير للشوكاني- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- تفسير الجلالين– تفسير البيضاوي).
ج- التفاسير الحديثة: ومن أهمها (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي- وكتاب في ظلال القرآن لسيد قطب- وتفسير المنار لمحمد رشيد رضا- والتفسير الواضح لمحمد محمود حجازي، والتفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، والمنتخب للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، وأيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري، وصفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني، والتفسير المنير والوجيز لوهبة الزحيلي، والتفسير الوسيط لمجمع البحوث الإسلامية ...).
د- التفاسير العلمية: التي تعتمد ما يسمى بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم؛ لكن هذا النوع من التفاسير يقع في الغالب الأعم في نوع من الشطط والتكلف وكأن القرآن كتاب علم وكفى!

ثانيا: مناهج الفرق الكلامية الضالة في التفسير:
وهي أهم التفاسير التي يعتمد عليها غالبية العلمانيين للاصطياد في الماء العكر، ومن ثم الضرب في حجية تفاسير القرآن الكريم كأهم المصادر التي يعتمد عليها في معرفة الحقب التاريخية الغابرة! ومن أهمها: كتاب الكشاف للزمخشري.

تفاسير الشيعة (مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار للكاريني) والتفاسير الباطنية (كالقرامطة والإسماعيلية، وغيرهم).

ثالثاً: المناهج الغربية:
أ-المناهج اللسانية:

اللسانيات علم يدرس اللغة، ويحاول جعل البحث اللغوي معتمداً على التجريب تماماً كالبحث التطبيقي في العلوم الحسيّة البحتة، وهو على كل حال نشأ في ظروف تمدد المنهجية الوضعية الغربية وبسط نفوذها على العلوم الإنسانية لإخضاعها لمنطق الحس، (بالرغم من مفارقتها له)، ولذلك فإن هذا العلم (اللسانيات) علم يقوم على أرضية فلسفية وإبستمولوجية (أصول معرفية) وضعية، وهو بذلك ليس علماً حيادياً، مما يجعل استعماله محفوفًا بالمخاطر، خصوصاً إذا كان موضوع تطبيقه القرآن الكريم.

وعلينا أن نؤكد هنا أن سوء استعمال البعض لهذا العلم لا يعني أن هذا العلم برمته سيء، لا يمكننا الاستفادة منه، فالمسلمون يعتقدون -على خلاف النصرانية- أن العلم والقرآن كلاهما من الله تعالى، ومن ثم فهما لا يتصادمان، وسوء الاستخدام وحده هو الذي يجب استنكاره.

ب-المنهج (التاريخاني):
المنهج (التاريخاني) الذي يرى أن تفسير النص يجب أن يكون مرهوناً بتاريخه، ويجب أن يكون ساكناً هناك لحظة ميلاده، فلا يمكن فصل أي نص عن تاريخه. هذا المنهج يصدر عن نزعة مادية وضعية لا تؤمن بأن الأديان من عند الله تعالى، ويراها إنشاء إنسانيًّا، وذلك لأن الإنسان يتحكم به التاريخ تحكمًا كاملاً، والله مطلق منزه عن ذلك.

حاول البعض بناءً على مقولة "المنهج التاريخاني" إلصاق النص بالتاريخ لتسويغ التخلي عنه الآن، وبالرغم من أن محمد أركون الجزائري كان سباقاً منذ الثمانينيات إلى هذا المنهج، إلا أن الذي اشتهر به هو (نصر حامد أبو زيد) بسبب قضية طلاق زوجته في المحاكم المصرية بتهمة الارتداد عن الدين، لاعتناقه هذه الفكرة في منتصف التسعينيات. وبينما كان محمد أركون يصدر عن عقيدة علمانية ليبرالية، كان نصر حامد أبو زيد يصدر عن عقيدة ماركسية. وفي كلا الحالتين كان يراد من المنهج التاريخي تأمين انسلاخ جماعي للمسلمين من كتابهم الكريم، من أجل تسليمهم للوضعيَّة، والدخول في الحداثة الغربية المادية بحسن نيّة أو بسوئها.

ويبقى أن تجربة المناهج الغربية في تأويل القرآن الكريم كانتً فاسدة؛ بسبب الخلفيات الاعتقادية التي جعلت من تلك المناهج مجرّد أدوات مهووسة بعقائد العلمانية المتطرفة! [6].

2- القرآن ومنهج التشكيك بالتاريخانية:
يقول (غلادستون) وزير المستعمرات البريطاني سنة 1895م: «ما دام   هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين؛ فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان!» فلتقرَّ أعينُ الأعداء من صهاينة وصليبيين وملاحدة وشيوعيين، فقد كُفوا المئونة، إذ قد خرج من أبناء الأمة الإسلامية من تولى طمس الحقائق وتضليل العباد[7].

بعدما استحال عليهم نشر أفكار مشركي قريش واليهود من أن القرآن هو من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم جمعها من التوراة والإنجيل، ثم مزاعم بعض المستشرقـين ومن ورائهم الكنيسـة التي أشـاعت بين الأوربيين أن القرآن لم يأتِ بغير أساطير استمد أصولها من المدراس والتلمود وبعض ما ذهب إليه الفكـر المسيحي. بل إن التحـريف قد أصاب القرآن في أكثر من موضع!! [8].

فتحداهم الله جميعا وحذرهم قائلا : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23-24]، والتحدي مفتوح إلى الأبد.. لجئوا إلى تبني الأفكار الفلسفية الغربية المعروفة بالتدليس والمراوغة والتفكيكية (يقصدون بها قراءات متعددة للنص حتى ولو كان مقدسًا) والتشكيكية (لديكارت) لتحقيق أهدافهم وأهداف أسيادهم البيض.

وأؤكد أنه ليس على المؤرخ حرج في أن يستنبط حقائق التاريخ من آيات الله البينـات. فالقـرآن مأدبـة الله، ويمكن اعتباره في أحايين كثيرة وثيقة تاريخية مهمة يعتمد عليها في دحض بعض التصورات الخاطئة (نظرية داروين، أصل الخلق، سير الأنبياء..). ويمكن أن يتناول كل من أوتي حظًّا من العلم ما يناسبه من هذه المائدة علمًا بأن فريقًا من العلماء قد جوَّز استعمال بعض آيات القرآن في التصانيف والرسائل والخطب[9] والتاريخ علمٌ، ويمكن أن نأخذه من القرآن. وعلى حد تعبير الزركشي: "وكل علم من العلوم منتزع من القرآن، وإلا فليس له برهان"[10].

والقرآن الكريم حين لفت أنظار الناس إلى أحوال الأمم السابقة وعواقب الأمم البائدة، إنما أراد بذلك أن نستخلص العبر ونستجلي العظات؛ لبناء مجتمعات مؤمنة سليمة، قوية وعادلة[11].

ولكن أن يتم توظيف التاريخ وسيرورة العقل البشري المحدود للحكم على القرآن بتقادمه وتاريخيته، فهذا من الخطل والعبث الجنوني!

ومن المسلمين الضالعين في ركاب الآكلين من شتات وفتات موائد الغرب الدكتور (طه حسين) الذي انطلقت معه ومنه سلسلةُ الهجمات على أقدس مقدسات المسلمين في كتابه "الشعر الجاهلي" (مسألة الانتحال والـوضـع في الشعر الجاهلي) تأكيدًا لنظرية الشك الديكارتي (الذي سماه عبثا الشك المنهجي Doute méthodique) في كل ما جاء بالعربية من شعر ونثر ومن ذلك القرآن الكريم. فهو يرى أنه يتعين على الباحث أن يخضع كل ما ورد من أخبار الأمم السابقة وقصصهم في القرآن إلى هذا المنهج وهو الشك ويخلص من ذلك إلى أن القرآن ليس وحيا إلهيا، وبذلك حقق هدفا من أهداف الاستشراق، وهو أن القرآن موضوع وليس وحيا من الله، سبحـانـه وتعـالى[12]. وفي هذه الضلالـة التي تردى فيها طه حسين زعم أنه كان يحكم منهج ديكارت الفيلسوف الفرنسي. فضل الطريق وضلل تلاميذه[13].

وجدير بالذكر أن الإمـام الغزالي قد سبق ديكـارت لهذا المنهج. وما قرره ديكارت هو أنه يجب علينا ألا نقولَ عن شيء إنه حق إلا إذا قام البرهان على أنه كذلك. ومن الحقائق التي وصل إليها ديكارت في فلسفته: "أن ما وجد في الدين واضحا جليا فهو حق يجب أن يسلم به تسليما"[14].

وبالرجوع أيضا إلى رسالة صغيرة لسبينوزا نشرها بعنوان "رسالة في اللاهوت والسياسة" نقف على حقيقة الحملة التي على الكتب السماوية؛ إذ عمد سبينوزا في رسالته إلى الطعن في التوراة و الأناجيل، وخطا خطوات لنقض اليهودية والمسيحية حتى هيج عليه أحبار أمستردام الذين أصدروا عام 1656م قرارا بطرده من شعب إسرائيل، وقد قام العلماني المصري (حسن حنفي) بترجمة الرسالة إلى العربية عام 1971م ووضع لها تقديمًا بين فيه دوافعه إلى ترجمتها وأنه يريد أن يطبقها العلمانيون على القرآن والسنة[15].

3- ثعالب "تاريخية" القرآن الكريم وأطروحاتهم المستلبة:
يقول المفكر الجزائري محمد أركون في بحثه عن مدلول التاريخية وتطوره: "إن مصطلح التاريخية يتعلق بصياغة علمية، مستخدمة خصوصًا من قبل الفلاسفة الوجوديين للتحدث عن الامتياز الخاص الذي يمتلكه الإنسان في إنتاج سلسلة من الأحداث والمؤسسات والأشياء الثقافية التي تشكل بمجموعها مصير البشرية"[16].

في هذا الإطار فإن الاقتراب التاريخي في التعامل مع النص يعني أن النص إنما هو نتاج وتعبير عن المجتمع والثقافة التي نشأ في ظلها، ويترتب على هذا بالضرورة أن نطاق صلاحيته وملاءمته إنما يكون محدودا بالإطار التاريخي والاجتماعي- الثقافي لهذا المجتمع، بينما تكون للمجتمعات التاريخية الأخرى تعبيراتها التاريخية المتباينة[17].

ثم انتقلت العدوى بشكل فظيع إلى "دهاقنة" الفكر العلماني بشكل ممجوج، ومن أشهرهم (نصر حامد أبو زيد)، وأسوأ ما كتبه (نقد الخطاب الديني)، وأعاد طبعه عام 1995م مع مقدمة طويلة جداً كلها إصرار على خطاياه، إذ حاول إلصاق النص بالتاريخ لتسويغ التخلي عنه ووصف الخطاب الديني (ويقصد القرآن الكريم) بأنه تيار غيبي غارق في الخرافة والأسطورة.

وهو امتداد لما سماه بـ"التيار التنويري" الذي يضم رموزا مثل: طه حسين، وأمين الخولي، ومحمد أحمد خلف الله، وهو تيار أهم ما يميزه -حسب كلام أبو زيد– قراءته للنصوص الدينية طبقا لآليات العقل الإنساني التاريخي[18].

ويقول إنّ: "دراسة النصوص الأدبية عامة, واكتشاف تشكيلها وكيفية إنتاجها للدلالة, مدخل ضروري لا غنى عنه لدراسة النصوص الدينية... وإنّ وسائله العلمية هي "مناهج علوم اللغة والتاريخ-طبعا العلمانية-"[19]؛ بمعنى إعادة قراءة معاني القرآن قراءة مستقلة عن تفسير السلف الصالح والاعتماد على علمانيته كمدرسة من مدارس التفسير! {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصّلت: 26] لقد مزج بين كتاب اللَّه سبحانه وعمل الناس في التاريخ.

ارتبطت أطروحة نصر أبو زيد حول تاريخية النص الديني والقرآني بطرحه لمنهجيات جديدة ومستحدثة في التأويل والاستنباط والاجتهاد؛ فأبو زيد الذي يرى النص القرآني نصا ثقافيا لغويا كسائر النصوص، لا يرى أن ينفرد هذا النص بمنهجيات خاصة -كما هو معمول به في علوم التفسير والفقه- بل تنطبق عليه منهجيات تحليل الخطاب التي أنتجتها علوم اللغة والألسنيات المعاصرة كما قدمها الفكر الغربي، يقول: إن تاريخية النصوص "بمعنى أن دلالتها لا تنفك عن النظام اللغوي الثقافي الذي تعد جزءا منه يجعل من اللغة ومحيطها الثقافي مرجع التفسير والتأويل"[20].

ومن ثم يوجه نقدًا للمنهجيات المتداولة في التراث الفقهي خاصة في التأويل والاستنباط؛ إذ يرى أن علوم القرآن واللغة والجرح والتعديل وغيرها المطروحة في إرث القدماء أضحت غير كافية، وأنه قد وجب على المحدثين في ضوء التطور في علم (اللسانيات) والتحليل اللغوي وتحليل الخطاب أن يدلوا بدلوهم فيها من منظور آخر، ووفق مفاهيم أخرى. ويعد تقرير د. عبد الصبور شاهين من أشهر ما كتب قبل سنوات حول بحث تقدم به الدكتور (نصر حامد أبو زيد) للترقية إلى درجة الأستاذية في الفلسفة بجامعة القاهرة، وتسبب هذا التقريرُ في قضية حسبة رفعها داعية آخر هو الشيخ (يوسف البدري) وصدور حكم قضائي بتفريقه عن زوجته د. ابتهال يونس وهجرتهما إلى هولندا... لكن سرعان ما فضح الله سره وكشف عوره وتبين أنه يخدم القضية الصهيونية –وهو الآن يدرس في جامعة ليدن اليهودية في هولندا التي احتضنته!

• ومنهم المصري حسن حنفي، الذي أشرت إليه آنفا، أستاذ الفلسفة على الفكر الاعتزالي، فأخرج لنا مؤلفاته التي تسير على غرار المنظومة الماركسية، وأهم أفكاره العفنة في كتابه (التراث والتجديد موقفنا من التراث القديم) صدر سنة 1980م. وذكرت صحيفة "الخليج" الإماراتية الأربعاء 30-8-2006م أن علماء من الأزهر انتقدوا د.حسن حنفي "لتطاوله" في محاضرته على القرآن الكريم، ووصفه بأنه "أشبه بالسوبر ماركت"، وأنه "يمكن للمجتهد أن ينتقي منه ما يشاء من دون الالتزام بحرفية النصوص القرآنية أو يأخذها كلية؛ لأن هناك كثيرا من الآيات القرآنية بينها تناقض وخاصة ما يتعلق بالتسامح والدعوة إلى القتال". ورد عليه الدكتور عبد الله سمك رئيس قسم الأديان والمذاهب بكلية الدعوة جامعة الأزهر إلى أن "هذا الكلام لا يصدر إلا عمن لا يدرك فهم النصوص القرآنية ومعرفة أسباب النزول وحكمة الله في التشريع. أو تصدر عن سوء قصد لأن أصحاب الهوى هم الذين يتلمسون أي وسيلة للإساءة للقرآن".

• ومنهم عبد الله العروي الذي يعد عند المفكرين العلمانيين منظّر التاريخانية؛ ويدعو في أغلب كتاباته النقدية إلى القطيعة الإبستمولوجية والمعرفية مع التراث.. ويقصد بذلك الإسلام ومن ثم كتاب الله وسنة نبيه الكريم؛ والغريب في الأمر أن تاريخانية العروي –أكبر المروجين لها- تعرضت لانتقادات صارمة من قبل نخبة من الفلاسفة والمفكرين الغربيين أمثال ليو شتراوس وكارل بوبر ونيتشه وفوكو -قبل أن يتبناها العروي- والتي ترى فيها مذهبًا دوغمائيا (أحاديا) يتسم بالفقر والبؤس، مطبوعًا بآفة الحشو والتكرار، ومتلبسًا بعبادة الواقع الحداثي، ويعطل عمليات الكشف عن القواعد والبنى، ولا يساعد على التوقع ومعرفة المستقبل.

• ومنهم محمد أركون الذي أسرد بعض أطروحاته التي يغني عرضها عن ردها.. يقول بأن "الإسلام كبقية الأديان في الخضوع للتاريخية التي خضعت لها المسيحية؛ إذ إن الإسلام لا يختلف عن المسيحية (يقصد النصرانية) في كونه يقع ضمن الإطار المعرفي للقرون الوسطى.." ويستطرد في ترهاته العبثية بقوله: "إنه نتاج الممارسة التاريخية للبشر، وبالتالي فهو يتطور ويتغير، إنه يخضع للتاريخية مثله مثل أي شيء على وجه الأرض، إنه ناتج عن الممارسة التاريخية لفاعلين اجتماعيين شديدي التنوع.. كما أنه ناتج عن فعل الشروط التاريخية التعقيد عبر الزمان والمكان.

وأختم بمحمد عابد الجابري -والقائمة طويلة-، الذي لقيت مقالاتُه المنشورة في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية ردًّا علميا رصينا من قبل الكثير من الباحثين والكتاب، ومن هذه الردود ما نشرته جريدة الجمهورية المصرية التي رأت أن ما كتبه الجابري أخطر من محاضرة البابا، ونشرت رسالة   مفتوحة لأحد كتابها بعثها إلى شيخ الأزهر يقول فيها: "إن ما أثاره عابد الجابري   ليس بجديد. فقد سبق أن أثاره اليهود في ما عرف بقضية الناسخ والمنسوخ.."، أما وسام فؤاد في مقالته "الفكر الإسلامي بين ضغوط بيندكت والجابري" المنشورة بموقع الشهاب فقد ساوى فيها بين أقوال بابا الفاتيكان وأستاذ الفلسفة، واصفا الجابري بجهله بعلم الحديث والناسخ والمنسوخ..

والغريب في الأمر أنه لم يُبالِ بذلك إذ اضطر إلى نشر كتاب سماه مدخل إلى القرآن الكريم: التعريف بالقرآن الكريم، الجزء الأول؛ وضع فيه كل انحرافات الشيعة الروافض والفرق الكلامية، ورآها نموذجًا يحسد عليه في التعامل مع النصوص القرآنية! ثم ازداد تطاولُه بوصف المسلمين الذين يؤمنون بعالم الغيب الوارد في القرآن الكريم – لينال جائزة نوبل كما فعل الأقزام السابقين- "بالقبرانينن" (نسبة إلى القبر) في مقابل الغربيين السبرانيين (نسبة إلى cybernétique عالم الإنترنت والتكنولوجيا).. ولكن الله سبحانه جعل كيده في نحره؛ إذ يقول: إن الكليات والمعاهد العلمية المتخصصة تجد (زبناء) "للتطرف الديني" -يقصد الصحوة الإسلامية- أكثر من الكليات الدينية[21].

ولا ننكر أن هؤلاء العلمانيين يعيشون هوسًا ازدواجيًّا في شخصيتهم التائهة بين بقايا الفطرة السليمة والابتلاع التام للمذاهب الغربية المعاصرة؛ ومن ثم يخدمون العقيدة المادية دون استيعاب لمآلاتها! فهم أشبه بالغراب الذي أراد تقليد الحمامة، فلا هو أتقن مشيتها ولا هو حافظ على مشيته! ..ولله در الشاعر إذ يقول:
 

أيا   حائرًا   ما   بين    علم    وشهوة        ليتصلا   ما   بين   ضدين   مِن   وَصْلِ
ومن لم يكن  يستنشق  الريح  لم  يكن        يرى الفضل للمسك الفتيق على الزبلِ!

وهكذا نجد أن الأعداء دفعوا أغراراً من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، ويشوهون ديننا، لتكون الفتنة أشد وأنكى، حتى قال القسيس الأمريكي الحقود صمويل زويمر: ولتقطع الشجرة بجزء منها[22].

وصفوة القول أن أفعال هؤلاء التاريخانيين -"القرآنيين" الذين يدأبون ليل نهار لحفر الأخاديد وتعميق الشرخ بين أمة الإسلام حتى لا يحلم بجمع الأمة مرة أخرى؛ من خلال ما يسمى بالقراءات "المعاصرة" للقرآن الكريم- تدفع المسلمين شوقًا إلى كتاب الله لمدارسته علمًا وتعليمًا ودحض أفكارهم المغلفة بالنتوءات الفكرية العلمانية التي بدأت تسقط أوراقها تبعا! وصدق الله عز وجل حينما قال: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون} [الأنبياء: 18]. ولله درُّ أبي تمام حينما قال:
 

وإِذا   أرادَ   اللّهُ   نشرَ    فضيلةٍ        طويتْ  أتاحَ  لها  لسانَ  حسودِ
لولا اشتعالُ النارِ  فيما  جاورَتْ        ما كان يُعرفُ طِيبُ عَرْفِ العودِ

وهاهنا أطرح بعض الأسئلة:
هل وقف الإسلام في تاريخه عائقاً أمام ازدهار الأمة، وازدهار حضارتها وثقافتها ومجتمعاتها؟ حتى يحتاج الإسلام إلى مسخ أو طمس أو تشويه؟ أم أن الإنسان هو الذي يحتاج إلى إصلاح وتمثل حقيقي لدين الله عز وجل، وتفاعل حقيقي مع كلمات الله جل وعلا؟ ألا يشعر العلمانيون أنهم يتلاعبون بالعقول ويعبثون بالفكر، وأن هذا التلاعب والعبث إذا انطلى على فئة من الناس أو جيل من الأجيال، فإن الزيف لا بد أن يظهر، والخداع لا بد أن ينكشف؟[23]

ثم إذا كان فلاسفة أوربا الغربية قد تمكنوا من تثبيت باطلهم في مجتمعاتهم لضلال رسالتهم النصرانية؛ أفليس لنا من ورثة الأنبياء من يدحض تصورات المستغربين من أبنائنا والمبتلعين لثقافة السفاهة؟! وعليه فإنه من الضروري متابعةُ ما يكتبونه وينشرونه ومواجهتهم في ساحتهم وذلك بدحض كل استنتاجاتهم واحدة فواحدة.


هذا وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.


ــــــــــــــــــ
[1] عبد المغيث موحد: مهلا أهل التغريب.. كفى من دعاوى الخلط والتقريب، جريدة السبيل العدد 30-21 ذو الحجة 1428، ص15.
[2] محمد يوسف الجاهوش: جذور التطرف وأسبابه، الوعي الإسلامي – ربيع الأول 1420 ص61 بتصرف يسير.
[3] العلمانية نشأتها وتطورها - سفر بن عبد الرحمن الحوالي, ص549.
[4] للتوسع في الموضوع الرجوع إلى ورقات حامد بن عبد الله العلي بعنوان: دليل العقول الحائرة في كشف المذاهب المعاصرة.
[5] القرآن -كما قال العلماء- لا يترجم نصه إلى لغة أخرى ولا يعد قرآنا يتعبد به أو يستنبط منه إلا في نصه العربي، وإنما تجوز ترجمة معانيه بقدر طاقة المترجم على فهمها ونقلها.
[6] عبد الرحمن الحاج إبراهيم: المناهج المعاصرة في تفسير القرآن الكريم وتأويله، مجلة رسالة المسجد، العدد الأول، جمادى الثانية 1424هـ/ أغسطس 2003م)، بتصرف.
[7] مولاي المصطفى البرجاوي: التاريخ بين الاحتماء والهروب؛ مجلة البيان العدد 243.
[8] أحمد البشبيشي: "المستشرقون والإسلام على ضوء التراجم"، مجلة الوعي الإسلامي، السنة الثانية عشرة. العدد 137. غرة جمادى الأولى 1397هـ أيار 1976م ص25.
[9] بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي: البرهان في علوم القرآن، (القاهرة 1376هـ/1957م) الجزء الأول، ص 481.
[10] الزركشي المصدر السابق. ج1 ص8.
[11] د. محمد أمحزون: سنن الله في الآفاق والأنفس وعلاقتها بالمجتمع، مجلة البيان، العدد243 ص82.
[12] إبراهيم خليل أحمد: المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي. (القاهرة 1964 م). ص 83.
[13] الرافعي: تاريخ لن ينسى وذكرى لن تموت. مجلة الوعي الإسلامي. العدد " 206". 1402هـ ديسمبر 1981م ص 113 -114.
[14] أنور الجندي: نظرية ديكارت ومنهج الشك الفلسفي في كتاب الأدب الجاهلي مجلة منار الإسلام. العدد الثامن السنة الثامنة شعبان 1403هـ - مايو- يونيو 1982. ص 85-86.
[15] حسن حنفي: رسالة في اللاهوت والسياسة: ترجمة وتقديم وتعليق، الطبعة الثانية، الأنجلو المصرية القاهرية 1978.
[16] محمد أركون، الفكر الإسلامي قراءة علمية، ترجمة هاشم صالح، (بيروت: مركز الإنماء القومي، 1987) ص 116.
[17] أماني صالح: التاريخية وتأويل النص المقدس عند نصر حامد أبو زيد: الاجتهاد البديل، الشبكة العنكبوتية.
[18] نصر حامد أبو زيد، نقد الفكر الديني، (القاهرة: دار سينا للنشر، 1992) مرجع سابق، ص8.
[19] نصر حامد أبو زيد، "النص, السلطة, الحقيقة" (ص 94).
[20] محمد عابد الجابري: سلسلة مواقف، العدد 70 ديسمبر 2007، ص:52.
[21] الأنسنة والعقلنة والأرخنة.. أفكار عفنة. بقلم محمد محمود كالو بتصرف: الشبكة العنكبوتية.
[22] الأنسنة والعقلنة والأرخنة.. أفكار عفنة. بقلم محمد محمود كالو بتصرف: الشبكة العنكبوتية.
[23] د. أحمد إدريس الطعان، مآل الإسلام في القراءات العلمانية، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة الكويت، العدد 65 جمادى الأول 1427هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عربية القرآن الكريم

مختارات من الشبكة

  • المكر والخديعة والسخرية والاستهزاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • «الدارة» تدعو من لديهم وثائق تاريخية إلى عرضها في معرض (وثيقتي التاريخية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • خدعتها ثلاث سنوات ثم تبت(استشارة - الاستشارات)
  • خدعته وندمت(استشارة - الاستشارات)
  • رجل خدع زوجتي(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • خدعة ( الأنا ) بين الوعي الناقص وإخلاص النية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من الخدع الشيطانية تسمية الأمور بغير مسمياتها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خدعة "زواج القاصرات" بين السياسة والعلم والإعلام والغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستهانة بالرسول الخدعة الذائبة(مقالة - موقع مثنى الزيدي)
  • الحوار مع الآخر.. خدعة عصرية(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
3- تفصيل رائع
أحمد بن سعود الحاقان - المملكة العربية السعودية 16-08-2014 03:26 AM

الحمد لله علی نعمة الإسلام
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
تستفدت كثيرآ مما نشر ....
اللهم ردنا إليك غير مفتونين ، وأصلح شأن الإسلام والمسلمين .

2- ديول الغرب الكافر
منصور سليم - ليبيا 10-07-2012 08:33 PM

اعدرسالة ماجستير عن  محمد اركون بارك الله فيك على ما قمت به من دفاع عن كتاب الله وبعد فإن اركون وأمثاله قد تربوا عند أعداء الدين وتعلم أركون في الكنيسة التى أنشأها الاستعمار الكافر في الجزائر تحت راية التعليم ثم ازداد ضلالا لما درس في فرنسا وتلقف أفكار المستشرقين الحاقدين على الإسلام وأهله فانبرى يحارب هذا الدين العطيم وتبعه أنصاف المتعلمين والجهلة والمنافقين يعقدون له المؤتمرات وهو يحارب أغلى ما يملكون بل ويعتبرونه من العلماء وهو أجهل من حمار أهله.

1- خدعة "تاريخية" القرآن الكريم
يونس - maroc 22-08-2009 01:21 AM

السلام عليكم
اخي مولاي مصطفى تحياتي لك
اشكرك على هذا الموضوع القيم الدي يتناول بعض النقط الحساسة والتي نتمنى ان تتطرق لها في مواضيع المقبلة إن شاء الله كما في المثال ((((هل وقف الإسلام في تاريخه عائقاً أمام ازدهار الأمة، وازدهار حضارتها وثقافتها ومجتمعاتها؟ .
ورمضان مبارك سعيد.تقبل الله منا ومنكم .
(السهلي)

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب